التصنيع في غرب أفريقيا- فرص واعدة وتحديات التحول

المؤلف: د.حكيم نجم الدين08.29.2025
التصنيع في غرب أفريقيا- فرص واعدة وتحديات التحول

في أواخر شهر مايو/ أيار من عام 2025، قام الرئيس الغاني "جون دراماني ماهاما" بإطلاق مبادرة وطنية طموحة للتصنيع، ترمي إلى تسريع وتيرة النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة في الدولة. وتدعم هذه المبادرة السياسة الاقتصادية المعروفة بـ "الاقتصاد على مدار الساعة"، والتي تهدف إلى إيجاد فرص عمل جديدة، وتحفيز النشاط التجاري المحلي، وتعزيز قطاع التصنيع المتنامي، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الأغذية الزراعية.

تأتي هذه الخطوات الجريئة التي يتخذها الرئيس الغاني في سياق اتجاهات ملحوظة تشهدها دول غرب أفريقيا، والتي تسعى جاهدة لإحياء وتنشيط قطاعاتها الصناعية. ومن بين هذه الجهود، قمة غرب أفريقيا للتصنيع والتجارة لعام 2025، التي من المقرر أن تُعقد في مدينة لاغوس النيجيرية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه. وستقام القمة تحت شعار "تسريع الثورة الصناعية المستدامة في غرب أفريقيا من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادي". ومن المتوقع أن تكون هذه القمة بمثابة منصة إقليمية حيوية لوضع استراتيجيات عملية تهدف إلى تعزيز التقدم الصناعي وتنويع التجارة في منطقة غرب أفريقيا.

العوامل الرئيسية المحفزة للتصنيع في غرب أفريقيا

تتمتع منطقة غرب أفريقيا بموقع استراتيجي فريد، يجعلها بمثابة جسر حيوي يربط بين قارتي أوروبا وأفريقيا، مما يمنحها إمكانية الوصول إلى الأسواق والموارد الناشئة. كما أن سواحلها المتميزة، التي تحتضن العديد من الموانئ البحرية الرئيسية، مثل موانئ لاغوس في نيجيريا، وأبيدجان في ساحل العاج، وميناء "تيما" في غانا، توفر لها مراكز تصدير حيوية للسلع المصنعة وواردات المدخلات الصناعية الأساسية.

ومما يزيد من زخم جهود التصنيع في غرب أفريقيا، هو الإدراك المتزايد من قبل دول المنطقة للأهمية الاستراتيجية لمواردها الطبيعية الوفيرة، مثل النفط والغاز، والمعادن المتنوعة، بما في ذلك الذهب وخام الحديد والألماس والمعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى الإمكانات الهائلة لمنتجاتها الزراعية المتميزة، مثل الكاكاو وزيت النخيل والمطاط والقطن.

هذا الفهم العميق يعزز المساعي الحثيثة للتحول الاستراتيجي نحو تحقيق القيمة المضافة، وذلك من خلال البحث عن طرق مبتكرة لمعالجة هذه المواد الخام داخل المنطقة بدلاً من تصديرها في صورتها الأولية، وبالتالي الاستحواذ على حصة أكبر من قيمتها. وتكمن أهمية هذه النقطة الجوهرية في حقيقة أن النسبة العظمى من الموارد الخام في غرب أفريقيا يتم تصديرها إلى الدول الأخرى، مما يؤثر سلبًا في تطور دول المنطقة ونموها الاقتصادي المنشود.

وتتجسد بعض جهود التصنيع في المنطقة في دولتي غانا وساحل العاج، اللتين تتطلعان إلى معالجة الكاكاو وتحويله إلى منتجات نهائية فائقة الجودة، مثل الشوكولاتة وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تشهد نيجيريا تحركات متسارعة في الأشهر الأخيرة نحو تحويل الليثيوم الخاص بها إلى مكونات أساسية لمركبات الطاقة الجديدة.

وهناك عامل ديموغرافي آخر يتمثل في التركيبة السكانية الشابة والمتنامية في المنطقة، والتي من شأنها أن توسع الطبقة المتوسطة في غرب أفريقيا، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، وخلق قوة دافعة قوية للتصنيع المحلي. وقد يمثل تنامي التركيبة السكانية الشابة أيضًا ميزة كبيرة لرأس المال البشري في الصناعات كثيفة العمالة، مثل الصناعات الخفيفة والمنسوجات والتجهيز الزراعي، وهي قطاعات حيوية للمراحل الأولى من التصنيع في المنطقة.

وتتعزز هذه النقطة بما أظهرته البيانات الحديثة من أن منطقتي غرب أفريقيا ووسطها تمثلان مجتمعتين شريحة سكانية شابة للغاية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما أن تقديرات بنك التنمية الأفريقي تشير إلى أنه بإمكان متوسط العمر في أفريقيا (19 عامًا) – إذا أُحسن استخدامه – أن يضيف 47 مليار دولار إلى ناتجها المحلي الإجمالي.

وتشمل جهود التصنيع في المنطقة سياسات صناعية متنوعة ومحددة، تتضمن مبادرات لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر من دول مختلفة، وإنشاء مناطق صناعية متخصصة، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية. إضافة إلى تزايد الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك شبكات النقل المتطورة (وخاصة الطرق والموانئ والمطارات)، والطاقة المستدامة (بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة والتطوير النووي)، والبنية التحتية الرقمية المتقدمة.

وفي حين أن استخراج الموارد (التعدين والنفط والغاز) لا يزال يمثل جزءًا هامًا من اقتصاد غرب أفريقيا، إلا أن الصناعات الرئيسية الأخرى التي تدفع النمو في المنطقة تشمل المعالجة الزراعية، من خلال تحويل المنتجات الزراعية إلى سلع ذات قيمة أعلى، كما هو الحال مع تحويل الكسافا إلى إيثانول ونشاء، وتحويل الكاكاو إلى شوكولاتة فاخرة.

وهناك جهود متصاعدة في الصناعات التحويلية الخفيفة، والمنسوجات عالية الجودة، والملابس العصرية، والأدوية المبتكرة، والصناعات الناشئة للسيارات. كما تستفيد بعض دول المنطقة من إمكانات الطاقة المتجددة الهائلة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية النظيفة. بينما تعيد دول أخرى هيكلة إدارات طاقتها التقليدية، كما هو الحال مع مشاريع تطوير قطاعات النفط والغاز الجارية في كل من غانا والسنغال، لتكونا بذلك مركزين إقليميين للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يزدهر قطاع التكنولوجيا، حيث تعمل مراكز الابتكار والشركات الناشئة على تعزيز قطاعات التجارة الإلكترونية والاتصالات الرقمية.

مبادرات ومراكز صناعية واعدة

أدت الصحوة الصناعية والمبادرات الوطنية الطموحة إلى بروز مناطق وممرات محددة في غرب أفريقيا كمراكز صناعية واعدة. ويحفز ظهور هذه المراكز سياسة "إيكواس" الصناعية، مثل "السياسة الصناعية المشتركة لغرب أفريقيا 2010-2030"، التي تهدف إلى زيادة معالجة المواد الخام المحلية في المنطقة إلى متوسط 30 في المئة بحلول عام 2030، وتعزيز التجارة البينية داخل دول الكتلة الإقليمية في السلع المصنعة لتصل إلى 50 في المئة من تجارة المنطقة.

تتصدر نيجيريا دول غرب أفريقيا من حيث نمو هذه المراكز والممرات الصناعية، حيث بذلت البلاد في السنوات الأخيرة مساعي حثيثة نحو تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط الخام. وقد كانت ضمن توجهات إدارة الرئيس الحالي "بولا تينوبو" تبني سياسة "نيجيريا أولًا"، والتي تهدف إلى إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي من خلال فرض تعريفات جمركية وحصص وحظر على بعض المنتجات المستوردة، لتكون النتيجة بلوغ قيمة الصادرات غير النفطية 1.7 مليار دولار أميركي في الربع الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 25 في المئة عن الربع الأول من عام 2024، حيث تتصدر هذه الجهود الكاكاو ومشتقاته، واليوريا مع الأسمدة، والكاجو.

ومن المراكز الناشئة في نيجيريا: "كانو" (الواقعة شمال غرب نيجيريا)، والتي تشمل مبادراتها الصناعية "برنامج مناطق التجهيز الزراعي الصناعي الخاصة"، المصمم لجذب استثمارات القطاع الخاص في قطاع التجهيز الزراعي ذي القيمة المضافة، من خلال توفير البنية التحتية الأساسية والخدمات الضرورية، ودعم السياسات داخل المناطق المحددة.

وهناك ولاية "آبيا" (الواقعة جنوب شرق نيجيريا) المتميزة بصناعة المنسوجات والصناعات الزراعية، وولاية "أوغون" (الواقعة جنوب غرب نيجيريا) التي تتربع على عرش المراكز الصناعية المتصاعدة في نيجيريا، حيث تضم العديد من شركات التصنيع الصغيرة والكبيرة مع مصانع الصلب. هذا، إلى جانب لاغوس، المركز التقليدي لاقتصاد نيجيريا، والذي دخل مجال الصناعة البترولية مؤخرًا بسبب مصفاة دانغوتي.

وهناك ممر "أبيدجان-لاغوس"؛ وهو مشروع طريق سريع عابر للحدود الوطنية، تبلغ تكلفته الاستثمارية 15.6 مليار دولار أميركي، ومن المقرر أن تواصل الكتلة الإقليمية بناءَه في عام 2026، على أن يُستكمل في عام 2030. ويربط الممر سبع مدن حيوية في غرب أفريقيا، وهي: أبيدجان، وتاكورادي، وأكرا، ولومي، وكوتونو، وبورتو نوفو، ولاغوس، كما يمر عبر خمس دول، هي: ساحل العاج، وغانا، وتوغو، وبنين، ونيجيريا.

ويُتوقع أن يوفر ممر "أبيدجان-لاغوس" حوالي 70 ألف وظيفة مباشرة، كما يُقدّر عدد سكان المناطق الحضرية الذين سيصلهم الممر بحوالي 173 مليون نسمة بحلول عام 2050، مما سيُحفّز النمو الاقتصادي والتصنيع التحويلي على طول مساره، وسيدعم التجمعات الاقتصادية الرئيسية الناشئة في مدن المسار، كما سيُحسّن الروابط بين المراكز الحضرية والمدن الثانوية والمناطق الريفية وممرات النقل الأخرى في غرب أفريقيا، وخاصة المطارات والطرق والسكك الحديدية والموانئ المتقدمة.

ومن بين دول غرب أفريقيا التي تبذل جهودًا مضنية لإنعاش قطاعها الصناعي: ساحل العاج، وغانا، والسنغال. فساحل العاج تواصل تقدمها اللافت في مجال معالجة الكاكاو ذات القيمة المضافة لتلبية احتياجات الأسواق الأفريقية الأوسع. كما تتصاعد شهرة غانا والسنغال، من بين دول أخرى، كمركزين رئيسيين للطاقة في المنطقة؛ نتيجة للاستثمارات الضخمة في قطاعات النفط والغاز، والطاقة المتجددة النظيفة.

ففي غانا، وقّعت الحكومة في شهر يونيو/ حزيران 2024 اتفاقية بقيمة 12 مليار دولار مع ائتلاف صيني-غاني لتنفيذ مشروع مركز بترولي متكامل، يضم ثلاث مصافٍ حديثة وخمسة مصانع بتروكيماوية متطورة، وذلك بهدف إضافة قيمة عالية في قطاع الطاقة الغاني. وفي السنغال، وافقت مجموعة بنك التنمية الأفريقي على تقديم قرض بقيمة 75 مليون دولار لدعم برنامج تعبئة الموارد ودعم التنمية الصناعية المستدامة.

ويُضاف إلى ما سبق أنّ مبادرة "تجمع غرب أفريقيا للطاقة" بين عامي 2012 و2024 (بدعم سخي من مجموعة البنك الدولي)، مكّنت من إنشاء وتشغيل شبكة واسعة تمتد لأكثر من 4 آلاف كيلومتر من خطوط النقل الطاقوي، والتي تربط دولًا مثل: ساحل العاج، وغينيا، وليبيريا، وسيراليون، وبنين، وبوركينا فاسو، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال. كما أبرمت الشركة الاستثمارية "أفريقيا 50" شراكة استراتيجية مع "البورصة الإقليمية لغرب أفريقيا" لتقديم سندات مشاريع مبتكرة للبنية التحتية وأدوات مالية أخرى، بهدف تعبئة رأس مال طويل الأجل من مستثمرين إقليميين، لتطوير البنية التحتية الحيوية في منطقة "الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا"، والتي تضم: بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغينيا بيساو، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو.

جدير بالذكر أن دول تحالف الساحل تبذل جهودًا متزايدة وملموسة نحو التصنيع، وذلك رغم ما تواجهه من تحديات سياسية وأمنية معقدة. فبوركينا فاسو – على سبيل المثال- تُركز جهودها على تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسيادة الغذائية من خلال مبادرات التصنيع الزراعي الطموحة، وإضافة قيمة كبيرة للموارد المحلية، مثل زيادة إنتاج الحبوب، وإنشاء مصانع متخصصة في إنتاج الطماطم، وزيادة إنتاج القطن عالي الجودة. كما أن دولة مالي أنشأت 12 قطبًا زراعيًا متكاملًا لسلاسل القيمة الزراعية، مما يضمن الاكتفاء الذاتي الغذائي، ويعزز مكانة البلاد كمُصدّر صافٍ للمنتجات الزراعية. وفي النيجر، يوجد تحرك ملحوظ في قطاع النفط، مع مساعٍ جادة لمشاركة القطاع الخاص في مشاريع الطاقة الشمسية، وتحديث القطاع الزراعي الحيوي.

اقتناص الفرص الناشئة من التحولات التجارية العالمية

توفر التحولات التجارية العالمية المتسارعة، والتي تتسم بظهور الحمائية التجارية واضطرابات سلاسل التوريد العالمية والنزاعات الجمركية المستمرة بين الاقتصادات الكبرى، فرصة ذهبية لغرب أفريقيا. ومن بين الجوانب الرئيسية للاستفادة من هذه التحولات، تنويع المنطقة لسلسلة توريدها لتصبح خيارًا أكثر جاذبية لدى المصنّعين والمشترين العالميين الذين يعيدون النظر في استراتيجياتهم التوريدية. كما أن موارد المنطقة الهائلة، وتزايد قواها العاملة الشابة، وتحسين بيئات الأعمال، قد تُقدّم غرب أفريقيا كفرصة استثمارية جذابة للشركات التي تحاول إنشاء قواعد تصنيع جديدة ومستدامة.

وهناك فرصة أخرى واعدة لغرب أفريقيا، تتمثل في تعزيز التجارة البينية الأفريقية وتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود من خلال مبادرة "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية"، وذلك لأن من بين الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة الطموحة هو تعزيز الروابط التجارية المتينة بين الدول الأفريقية، وتقليل الاعتماد الكبير على الأسواق الخارجية، وتمكين أعضائها من إنشاء سلاسل قيمة إقليمية متينة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال إنشاء سوق موحدة في جميع أنحاء القارة.

وقد أكّد "والي إيدون"، وزير المالية النيجيري، على أن "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" قادرة على إعادة وضع نيجيريا في المسار الصحيح كوجهة تنافسية للتجارة والاستثمار، مما يعزز تنويع سلسلة التوريد والقيمة المضافة المحلية. كما تتوقع حكومة غانا أن يزيد استغلال اتفاقية "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" في زيادة صادراتها الإقليمية، وتُقدّر ساحل العاج أن تُعزّز المبادرة معالجة الكاكاو ذات القيمة المضافة داخل الأسواق الأفريقية الأوسع.

إن الحاجة العالمية المتزايدة للمواد الخام، وخاصة المعادن الاستراتيجية والمهمة للثورة الخضراء المستدامة (مثل الليثيوم والكوبالت)، توفر ميزة استراتيجية كبيرة لغرب أفريقيا، وذلك عن طريق انتقال المنطقة من مجرد أماكن لاستخراج هذه الموارد إلى منطقة رائدة في معالجتها وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية. بالإضافة إلى تنامي الرغبة العالمية في الحصول على المنتجات المصنوعة في أفريقيا، واتساع الطبقة الوسطى الأفريقية، مما يسهم في بناء سوق محلية قوية للسلع المصنعة، وتقليل الاعتماد على الأسواق الأجنبية المتقلبة، كما يُشجع التصنيع المحلي المستدام.

ويُضاف إلى ما سبق أن الدعوات تزداد لحكومات غرب أفريقيا لاستكشاف اتفاقيات تجارية جديدة مع مناطق ودول أخرى من أنحاء العالم، وتعزيز علاقاتها التجارية مع قوى آسيا والاقتصادات الناشئة الأخرى، بهدف التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد التقليدي على الغرب، وتعويض الخسائر المحتملة من الرسوم والتوترات الجمركية الجديدة، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق المتنوعة والمربحة.

ومن المجالات الناشئة التي يمكن لدول غرب أفريقيا الاستفادة منها: "التصنيع الأخضر المستدام"، الذي تتركز المحادثات والمقترحات السياسية المرتبطة به في إنتاج الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتخزين الطاقة)، ونماذج الاقتصاد الدائري المبتكرة، وتوظيف أساليب مالية مستدامة، مثل السندات الخضراء لدعم التصنيع المستدام بيئيًا. إضافة إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه كأداة أساسية للإستراتيجية الصناعية لأفريقيا، وذلك لقدرته الفائقة على تحسين عمليات التصنيع والتجارة، وإزالة العوائق الصناعية القديمة، مما جعل مفكرين ومثقفين أفارقة بارزين يدعون إلى تحويل بعض مؤسسات التعليم العالي إلى "جامعات الابتكار" لإعداد الشباب الأفريقي لمستقبل مزدهر يعتمد بقوة على الذكاء الاصطناعي.

تحديات جمة أمام اغتنام الفرص

على الرغم من الفرص المتعددة التي توفرها التحولات التجارية العالمية لغرب أفريقيا، فإن هناك تحديات جمة قد تعيق قدرة المنطقة على الاستفادة الكاملة من هذه الفرص. وعلى رأس هذه التحديات، العجز الواضح في البنية التحتية الأساسية في عدد من دول المنطقة، مثل شبكات النقل غير الكافية، وإمدادات الطاقة غير الموثوقة، والاختناقات اللوجيستية، وغيرها من الأمور التي ترفع بشكل كبير تكاليف الإنتاج وتُحدّ من القدرة التنافسية. وتدعم هذه النقطة حقيقة أن انقطاع التيار الكهربائي المستمر في عدد من دول غرب أفريقيا يؤثر بشدة على عمليات التصنيع والإنتاج.

وهناك ندرة ملحوظة في العمالة الماهرة والقدرات التكنولوجية المتقدمة في بعض دول المنطقة، مما قد يخنق نمو الصناعات المبتكرة والصناعات المتقدمة تكنولوجيًا. كما أن هناك صعوبات كبيرة في وصول العديد من الشركات والحكومات في المنطقة إلى التمويل الكافي وغير المكلف اللازم لمبادراتها الصناعية الطموحة، إلى جانب أن فجوة الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة واسعة جدًا.

ومن بين التحديات الأخرى التي تواجه المنطقة، استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والصراعات الإقليمية في بعض أجزاء غرب أفريقيا، كما هو الحال مع أزمة الإرهاب والتمرد المسلح في منطقة وسط الساحل وبحيرة تشاد وبنين وتوغو، وانسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس". إذ يمكن أن تُثبّط هذه التطورات المقلقة التجارة البينية والاستثمار الأجنبي المباشر، وتعطل تدفقات التجارة عبر الحدود، خاصة في المناطق الحدودية المتضررة أو القريبة منها، مما يقوض بشكل خطير جهود التكامل الإقليمي.

ويُضاف إلى ما سبق أن عددًا من دول غرب أفريقيا تعاني من البيروقراطية المعقدة والفساد المستشري، اللذين يُشكلان عائقًا كبيرًا أمام تحسين بيئة الأعمال، مما يجعلها غير مواتية للاستثمار. وذلك لأن اللوائح والقوانين المعقدة، واستشراء الفساد، وانعدام الشفافية، كلها عوامل تردع المستثمرين المحليين والدوليين القادرين على دفع عجلة الصناعة في المنطقة.

بل على الرغم من مبادرات التصنيع والمساعي الحثيثة لتنويع الاقتصادات سابقة الذكر، فإن العديد من اقتصادات غرب أفريقيا لا تزال تعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام غير المصنعة، مما يجعلها عُرضة للتغيرات الحادة في أسعار السلع العالمية ويُحدّ من قدرتها على تحقيق قيمة أعلى من مواردها الطبيعية. كما أنه على الرغم من استمرارية الجهود المبذولة لتطوير سياسات تصنيع قوية على المستويين الوطني والإقليمي، فإن تنفيذ هذه السياسات بشكل فعال ومتسق قد يمثل تحديًا آخر كبيرًا.

خاتمة

إن غرب أفريقيا في مساعيها الحثيثة نحو تحقيق التصنيع المستدام بحاجة ماسة إلى بحث آليات مبتكرة لإضافة القيمة من خلال تحويل مواردها الخام الوفيرة، وتعزيز التكامل الإقليمي الشامل، وبناء مناخ أعمال مُمكّن وجاذب للاستثمار من خلال تنفيذ سياساتها الوطنية والإقليمية بشكل فعال، والاستثمار بكثافة في البنية التحتية الحيوية اللازمة. كما تحتاج المنطقة إلى إصلاح شامل للتعليم والتدريب المهني لتعزيز نقل المهارات وبناء القدرات المحلية، بالإضافة إلى تنويع أسواق التصدير والشراكات التجارية من خلال ضمان تحقيق المنفعة المتبادلة ودعم أجندتها الصناعية الطموحة.

وأخيرًا، تتطلب جهود التصنيع المستدامة توفير فرص مستمرة للحصول على التمويل اللازم، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تعزيز المؤسسات المالية المحلية، وتشجيع الإقراض للقطاع الصناعي الحيوي، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة. بالإضافة إلى استكشاف التمويل المختلط المبتكر، وتوفير سُبُل تمويل بديلة للشركات، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة